لقد تباطأ في العام 2012 نمو الناتج الإجمالي القومي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم كلا من البحرين، وقطر، والكويت، والإمارات، وعُمان، والسعودية. وأفادت تقارير مجموعة البنك الوطني في قطر ((QNB Group، بأن هذا المؤشر بلغ في العام المنصرم 5.7 % مقابل 7.8 % في العام 2011. غير أن معدلات النمو ما زالت أعلى منها في العديد من البلدان الأخرى في الظروف الإقتصادية المالية المعقدة المعاصرة. وجدير بالذكر أن النمو سُجل في القطاعين النفطي وغير النفطي على حد سواء، في إقتصاديات بلدان الخليج.
وفي العام 2012 ظلت أسعار النفط على مستوى عاليا من المنظور التاريخي، إذ انها زادت من مداخيل الحكومة، وإستحثت المصروفات، ما ساهم بدوره في نمو قطاعات الإنتاج ومجال الخدمات، غير المرتبطة بالنفط، ولاسيما قطاع البناء، ومرافق المدن. وبلغت نسبة الإستثمارات زهاء 22% من مجموع المصروفات الحكومية، لاسيما في عدة قطاعات، منها: البنية التحتية للنقليات، والعقارات، والتعليم، والصحة العامة.
وتم تخصيص بقية المصروفات (78%) لسد الحاجات الجارية، ومعظمها لتسديد مرتبات الموظفين والعاملين بالقطاع الحكومي، ما ساهم في تدفق الأموال الى القطاع غير النفطي، وشجع تطور مجال الخدمات وتجارة المفرق.
وينبغي التنويه بأن نمو القطاعات غير المتصلة بإستخراج النفط جاء نتيجة للإستثمارات السابقة، بما في ذلك، في الصناعات البتروكيماوية.
لقد أثرت زيادة إستخراج النفط تأثيرا ملحوظا على معدلات النمو الإقتصادي العام. وبلغ متوسط الحجم الإجمالي لإستخراج النفط في بلدان مجلس التعاون الخليجي، خلال الثلاثة الأرباع الأولى من العام 2012 ، 17.2 مليون برميل في اليوم، ما يزيد ، بـ 6.2 % عن الفترة المماثلة من العام 2011. واصبح هذا النمو ممكنا، بعد أن ألغت منظمة الأوبك الحصص الإستخراجية لكل بلد، والتي تم تحديدها عام 2009 ، أثناء هبوط أسعار النفط العالمية. ومن ثم تم إستبدال هذه الحصص في عام 2012 ، بمؤشرات أكثر مرونة لإستخراج النفط في إطار المنظمة بكاملها. وبالإضافة الى ذلك، زادت الأوبك في العام 2012 من إستخراج النفط بهدف تهدئة الأسواق القلقة من هبوط إستخراج النفط في كل من ليبيا وإيران.
وبوجه عام، فبالرغم من أسعار النفط العالية ونمو إستخراجه، ضمن القطاع غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي زهاء 50% من إجمالي نموها الإقتصادي في العام 2012. يرى خبراء مجموعة QNB Group ، أن مجموع الناتج الإجمالي (“الإسمي”) لبلدان هذه المنطقة بلغ 1.56 بليون دولار (ما يعادل 2.2% من الناتج الإجمالي العالمي باسره).
إن المملكة العربية السعودية تملك أكبر إقتصاد في هذه المنطقة، حيث تبلغ حصته زهاء 47 % من الناتج الإجمالي الإقليمي. وينهض القطاع النفطي بدور رئيسي في الإقتصاد السعودي. وبلغ مستوى إستخراج النفط في المملكة، خلال الثلاثة الأرباع الأولى من العام 2012، 9.8 مليون برميل في اليوم (فيما بلغ هذا المؤشر في العام 2011 ، 9.3 مليون برميل يوميا). بيد ان القطاع غير النفطي نما بمعدلات أسرع، بلغت في العام 2012 7.2 %. وساهمت الإستثمارات الواسعة النطاق، مثلا، في تطوير قطاع البناء الذي إزداد حجمه في العام الماضي بـ 10.3%.
ويحتل إقتصاد الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثانية في هذه المنطقة، اذ أنه ينتج 23 % من الناتج الإجمالي الإقليمي. ووفقا لمعطيات التقرير الأخير الذي أعده صندوق النقد الدولي ، بلغ نمو الإقتصاد الإماراتي في العام 2012 ، 4 %. وإرتفع حجم إستخراج النفط في البلاد، خلال الثلاثة الأرباع الأولى من العام المنصرم، بـ 3.2 %، مقارنة مع نفس الفترة من العام 2011. وينبغي التنويه بأن هيكل إقتصاد الإمارات أكثر تنوعا منه في بلدان أخرى للمنطقة، حيث يلعب قطاع الخدمات في الإمارات دورا ملحوظا. وقد تضرر إقتصاد الإمارات كثيرا جراء الأزمة المالية العالمية وإنهيار قطاع العقارات، ما أثر تأثيرا سلبيا بالغا في وضعها على صعيد الديون المستحقة عليها. غير ان معدلات النمو كانت أعلى مما توقعه الكثيرون، بسبب إعادة الأمور الى مجراها الطبيعي بسرعة في قطاعات هامة، منها البناء، والعقارات، والخدمات المالية.
وتأتي قطر في المرتبة الثالثة (حيث بلغت حصة الإقتصاد فيها 12 % من الناتج الإجمالي الإقليمي). فقد تباطأ نمو قطر الإقتصادي، لأن الأهداف المطروحة في البرنامج الحكومي لإنتاج الغاز المسيَّل، تم تحقيقها، والآن، تم إيقاف توسع هذا البرنامج لاحقا. غير أن الناتج الإجمالي القومي المحلي نما بـ 6.1 %، وبالدرجة الأولى، بفضل نمو القطاع غير النفطي. ووفقا لمعطيات أوردتها مجموعة QNB Group، نما القطاع الصناعي وقطاع الخدمات بـ 10.1 %، و9.1 %، فيما بلغ النمو في قطاع النفط والغاز 2.1 %.
وفي الكويت التي تبلغ حصته في الناتج الإجمالي الإقليمي 11 %، سجل الإقتصاد نموا قدره 6.3 %. واصبح القطاع النفطي “محركا” رئيسيا لهذه العملية، حيث بلغ نموه 12.1 %، وإزداد مستوى إستخراج النفط، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2012 ،فبلغ 3 ملايين برميل يوميا. اما القطاع غير النفطي فكان من المتوقع أن يسجل نموا لايستهان به، إنطلاقا من مستوى تمويل مختلف المشاريع. ويبلغ حجم ميزانية البلاد لعامي 2012/2013 75 مليار دولار، ما يزيد بـ 9.3 % عن ميزانية العام الماضي. غير ان القيود البيروقراطية قد تؤدي الى أن يقل الحجم الفعلي لتمويل المشاريع الإستثمارية، مثلا، عما اشارت اليه الخطة.
ووفقا لمعطيات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يسجل نمو إقتصاد عُمان ( 5 % من الناتج الإجمالي الإقليمي) زهاء 5 %، الأمر الذي سيتم تحقيقه، من حيث الأساس، على حساب النمو العاصف للصناعات البتروكيماوية، في ظل زيادة غير كبيرة لإستخراج النفط. غير أن وزارة إقتصاد عُمان تصر على أن نمو الإقتصاد الوطني سجل في العام 2012، قدره 8.3 %.
وأخيرا، فان البحرين التي تبلغ مساهمتها في الناتج الإجمالي الإقليمي 2%، حسب تقييمات خبراء صندوق النقد الدولي، كان من المتوقع أن يبلغ النمو الإقتصادي فيها بنسبة 2 % في العام 2012. وجدير بالذكر ان هيكل إقتصاد البلاد يتسم بالقدر الكبير من التنوع، حيث يلعب فيه قطاع الخدمات دورا كبيرا فيه (فمثلا، يشكل القطاع المالي فيها زهاء 18% من الناتج الإجمالي القومي)، فيما يُعتبر الإحتياطي النفطي محدودا لدرجة معينة.
وبوجه عام، يُلاحظ إلى جانب زيادة إستخراج النفط في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، نمو أكيد للقطاع غير النفطي، المدعوم بمصروفات حكومية متزايدة الإتساع.
والملفت للنظر نمو ميزانية المصاريف ، في كل دول المنطقة، عقب المداخيل الناتجة عن إستخراج النفط والغاز. فمثلا، تقضي ميزانية العربية السعودية زيادة للمصروفات الواردة في خطة العام 2013، تقدر بـ 19%، فبلغت 219 مليار دولار. وفي قطر يبدأ الإسراع في تحقيق مشاريع ضخمة لمنشآت البنية التحتية نظرا لإقتراب كأس العالم في كرة القدم للعام 2022، وذلك بهدف دخولها حيز العمل طبقا للخطة، ولمتطلبات الإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). ومن المتوقع أن يبلغ حجم تمويله في عامي 2013/2014 ، 30 مليار دولار.
وفي الإمارات العربية المتحدة، تم توحيد مواد ميزانية المصروفات ، غير ان الإستثمارات من جانب القطاع الخاص، يمكن أن تعوض عن ذلك على الأرجح، لاسيما إذا تواصلت عملية إعمار الإقتصاد. وعلى أية حال، فقد بدأ في قطاع العقارات تحقيق عدد من المشاريع الجديدة بالتوازي مع إحياء مشاريع كانت مجمدة في وقت سابق.
وبالإضافة الى ذلك فإن خبراء مجموعة QNB Group يرون ان كل دول مجلس التعاون الخليج، ستواصل إستثماراتها في قطاع المنتجات البتروكيماوية، والأسمدة المعدنية، والفولاذ، والألومينيوم. و سيدعم ذلك كله نمو القطاع غير النفطي للإقتصاد. و يعتقد خبراء QNB Group، أن نمو الناتج الإجمالي لبلدان الخليج سيتراوح بين 5% و6% في عامي 2013/2014.
arabnews.com: مصدر