عشية زيارته الرسمية لمصر، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حديث لصحيفة مصرية “الأهرام”. وفيما يلي مختصر الحديث.
سؤال: كيف تقيمون واقع العلاقات الثنائية بين روسيا ومصر فى المرحلة الحالية بعد ثورتى 25يناير و30يونيو.. وما هى آفاقها على خلفية نتائج زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى روسيا فى أغسطس 2014؟
جواب: مصر تعد شريكا تقليديا وآمنا لروسيا فى منطقة الشرق الأوسط. ويعتز التاريخ المعاصر للعلاقات الدبلوماسية بين بلدينا – التى تعود ببدايتها إلى سنة 1943- بأحداث عظيمة مختلفة, لقد شهدت الساحة الدولية وبلدانا خلال ما يفوق 7 عقود منصرمة كثيرا من التطورات, ولكن الأمر الذى لم يتغير على الإطلاق هو السعى للعمل المشترك لمصلحة تطوير كل من روسيا ومصر وضمان الأمن على النطاق الدولى والإقليمى على حد سواء.
لقد تم إنشاء العديد من مرافق البنية الاقتصادية المصرية بفضل المساعدة النشيطة من قبل روسيا, ومن بينها السد العالى العملاق ومصنع الحديد فى حلوان ومصنع الألومنيوم فى نجع حمادي, وغيرها من المشروعات, وما يسعدنا هو أن تلك المرافق الصناعية لا تزال تعمل حتى الآن وبصورة فعالة وتجلب الفائدة لجمهورية مصر العربية الصديقة.
أما فيما يتعلق بالأحداث التى حصلت خلال 2011-2013 فنرحب بجهود مصر, قيادةً وشعبًا, الرامية إلى استتباب الاستقرار الداخلى وإكمال النظام السياسى وتحديث اقتصاد البلاد… إننا متضامنون مع المصريين الذين عبروا عن آرائهم خلال الاستفتاء على مشروع دستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية.
وبرغم المصاعب التى اُضطرًّت مصر إلى المرور عبرها خلال السنوات الأخيرة فقد تمكن بلدانا من الحفاظ على العلاقات الثنائية المتنوعة والواسعة النطاق. والدليل على ذلك هو لقاؤنا مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مدينة سوتشى الروسية فى 12 أغسطس 2014 وهو اللقاء الذى يمكن وصفه بالفعال والمثمر, حيث أثبتنا من جديد من خلاله التطلع المشترك لدى القيادتين الروسية والمصرية لتوسيع علاقات الصداقة والتعاون فى المستقبل على أساس المساواة والمصالح المتبادلة.
وتتطور العلاقات الروسية المصرية تطورا دينامكيا, ففى الفترة الأخيرة شهدت أرقام التبادل التجارى بين البلدين ارتفاعا ملموسا وازداد حجمه فى السنة الماضية بـ50% تقريبا لكى يصل إلى 4٫5 مليار دولار. وبكل تأكيد يجب الحفاظ على هذا التوجه, كما نرى قدرات جبارة لدفع التعاون الثنائى قدما والذى من شأنه إحراز نتائج أفضل مما هى الآن.
لقد وضعنا أساسا فعالا ومربحا للجانبين للتعامل فى مجال الزراعة. وتعتبر مصر من اكبر مستوردى القمح الروسى حيث نغطى حوالى 40% من إجمالى استهلاك الحبوب فى بلادكم وبدورنا نستورد الفواكه والخضراوات المصرية.
وتبدى الكثير من الشركات الروسية, بما فيها تلك التى تعمل فى مجال الكهرباء والطاقة والصناعة الكيميائية وإنتاج السيارات, اهتماما كبيرا بالسوق المصرية, كما أن هناك آفاقا واسعة للتعاون فى مجال التكنولوجيا المتقدمة وخاصة فى قطاع الطاقة الذرية واكتشاف الفضاء والاستخدام المشترك لنظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية الجلوناس(GLONASS) الروسى الصنع.
وتعد مصر من أفضل أماكن الاستراحة لدى السياح الروس. وحسب الإحصاءات المتوافرة بلغنا فى عام 2014 رقما قياسيا, حيث زار مصر أكثر من 3 ملايين سائح روسى مما يتجاوز بـ50% الأرقام التى سُجلت فى عام 2013. وتقدر روسيا تقديرا عاليا الضيافة المصرية والجهود الرامية لضمان أمن السياح الروس فى منتجعات البحر الأحمر.
إننى على يقين من أن الحوار فى مختلف المجالات بين روسيا ومصر سيتعمق ويتوسع لما فيه مصلحة شعوب بلدينا والأمن والسلام فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
…
سؤال: ما هو تعليقكم على مايدور من نقاش حول التعامل بالعملتين المحليتين فى التجارة الثنائية (الروبل الروسى والجنيه المصري) بدلا من الدولار الأمريكي؟
جواب: بالفعل هذا الموضوع الآن فى دائرة الضوء بسبب قرب الموسم السياحى فى مصر. ومن الواضح أن إدخال التعامل بالعملتين المحليتين سيسهم فى صنع ظروف أكثر ملاءمة للملايين من المواطنين الروس الذين يستريحون سنويا فى بلادكم. إضافة إلى ذلك ستفتح هذه الخطوة آفاقا جديدة أمام التعامل الاستثمارى والتجارى بين بلدينا وتخفف الاعتماد على التغيرات فى الأسواق العالمية.
وعليه من المنطقى أنّ يشرع رجال الأعمال فى البلدين فى الحديث حول الأفضلية للتحول إلى العملتين المحليتين فى الحسابات الثنائية.
وأود أن أشدد على أننا قد أدخلنا العملتين المحليتين بالفعل فى تنفيذ العمليات التجارية مع بعض البلدان من رابطة الدول المستقلة وكذلك الصين. وقد أثبتت هذه التجربة فاعليتها ونحن مستعدون لتطبيقها فى علاقاتنا مع مصر. وفى الوقت الحالى تجرى دراسة هذه المسألة على مستوى الجهات ذات الصلة فى كلا البلدين.
…
سؤال: إلى أية درجة تأثر الاقتصاد الروسى من تخفيض الأسعار العالمية للنفط؟ وبرأيكم ما هى التداعيات لهذه الظاهرة على مستقبل الاقتصاد العالمى بصورة عامة ودول منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة؟
جواب: إن روسيا لاعب مهم فى العلاقات الاقتصادية العالمية. وبالتأكيد يتأثر الاقتصاد الروسى بالتقلبات الحادة فى الاقتصاد العالمي, بما فيها تخفيض أسعار النفط بنسبة كبيرة, حيث يؤدى ذلك إلى بعض المشكلات فى اقتصاد روسيا لكونها من اكبر الدول المستخرجة للنفط عالميا, ومن بين التداعيات تقليص موارد الميزانية والنفقات الحكومية لتأمين النمو الاقتصادى وتنفيذ المشروعات الاستثمارية للشركات النفطية.
والجدير بالذكر انه ليس لأول مرة نواجه فيها مثل هذه المشكلات, فقد اكتسبنا تجربة كبيرة من الأزمة السابقة فى 2008-2009. بعد خروجنا منها وادخرت روسيا آنذاك, مثلما هو الآن, احتياطات ضخمة تسمح لها بالتغلب على العوامل السلبية.
كما أقرت الحكومة الروسية الخطة الواسعة النطاق لكفالة التنمية الاقتصادية المستدايمة والاستقرار الاجتماعي. وتتضمن هذه الخطة دعم القطاع الإنتاجى للاقتصاد والمؤسسات الائتمانية الرئيسية والتشجيع على معدل العمالة ومساعدة قطاع الأعمال الصغير والمتوسط. كما نواصل العمل على تيسير نفقات الميزانية والسياسة الائتمانية والمالية.
أما فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط التى اعتادت أن تلعب فيها الدول المستخرجة للنفط دورا بارزا فتؤثرعليها أسعار النفط تأثيرا سلبيا ملحوظا. وقد تم اعتماد الميزانيات فى الكثير من دول المنطقة على أساس أسعار للنفط أعلى مما هى الآن. والى جانب ذلك شهدت المنطقة تحديات جديدة تتطلب مواجهتها تعبئة موارد إضافية. ومن هنا يزداد الإدراك لدى دول المنطقة بضرورة الاستقرار فى السوق النفطية وإيجاد التوازن بين الطلب والعرض.
أما الخطر الأكبر لانخفاض أسعار النفط فيكمن فى أن قطاع النفط والغاز يصبح أقل جذبا للمستثمرين الذين يُضطرّون إلى التخلى عن تطوير حقول النفط والغاز التى من الصعب استغلالها تكنولوجيا, وكذلك مشروعات تطوير البنية التحتية. ولهذا السبب سيؤدى ذلك إلى التقليص التدريجى الذى لا مفر منه لعرض النفط فى السوق. وبالتالى قد يحصل فى لحظة محددة تعديل قوى لأسعار النفط فى الاتجاه المعاكس من شأنه أن يسبب صدمة اقتصادية حقيقية. ومثل هذه الصدمات لا يرضى عنها منتجو النفط ولا المستهلكون ولا الاقتصاد العالمى بأكمله.
وأود أن أكرر: إن سوق الطاقة القابلة للتنبؤ والمستقرة تتجاوب لمصالح جميع الدول. لذلك يجب فى الظروف الراهنة تضافر جهود الأطراف بالسوق العالمية لخلق الأجواء المناسبة من أجل تطوير وثيق وطويل الأمد.
People: فلاديمير بوتين
Region: مصر